تستكمل قوات سوريا الديمقراطية، الاثنين، بدعم من التحالف الدولي هجومها في الكيلومترات الأخيرة التي ينتشر فيها آخر مقاتلي "تنظيم الدولة" الإرهابي المعروف بـ "داعش" في أقصى شرق سوريا بمحاذاة الحدود العراقية.

ومني التنظيم بخسائر ميدانية كبيرة خلال العامين الأخيرين. وكان أعلن عام 2014 إقامة "الخلافة" على مساحات واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق، تقدر بمساحة بريطانيا، في حين بات وجوده حالياً يقتصر على مناطق صحراوية حدودية بين البلدين.

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية التي تضم فصائل كردية وعربية السبت بدء هجومها الأخير لطرد مئات المتطرفين المحاصرين في بقعة صغيرة في ريف دير الزور الشرقي، بعد توقف استمر أكثر من أسبوع للسماح للمدنيين بالخروج.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس، إن "قوات سوريا الديمقراطية تتقدم ببطء في ما تبقى من جيب تنظيم داعش"، مشيراً إلى أن عوائق عدة تعرقل تقدمها مثل الألغام والقناصة والأنفاق التي حفرها المتطرفون في المنطقة.

ويضاف إلى ذلك، وجود أسرى من قوات سوريا الديمقراطية لدى التنظيم المتطرف، وفق مدير المكتب الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي الذي نفى لفرانس برس تقارير عن حصول عمليات إعدام بحقهم.

وقرب الباغوز، آخر بلدة لا يزال المتطرفون يتواجدون في جزء منها، بدت سحب من الدخان الكثيف تتصاعد من بعيد بالتزامن مع تحليق مستمر للطيران.

ويسمع على بعد عشرات الكيلومترات دوي انفجارات يرجح أنها ناتجة عن قصف لأهداف المتطرفين.

وأوضح بالي لفرانس برس أن "داعش أطلق هجوماً معاكساً على قواتنا، ونرد الآن بالصواريخ والغارات والاشتباك المباشر".

وتخوض قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف منذ سبتمبر عملية عسكرية ضد التنظيم في ريف دير الزور الشرقي.

وتمكنت من طرده من كل القرى والبلدات، ولم يعد موجوداً إلا في بقعة صغيرة لا تتجاوز أربعة كيلومترات مربعة، تمتد من أجزاء من بلدة الباغوز وصولاً إلى الحدود السورية العراقية.

مزيد من الفارين

وبحسب التحالف الدولي الداعم للهجوم ضد التنظيم، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من "تحریر نحو 99.5% من الأراضي الخاضعة لسیطرة داعش" في سوريا.

ودفعت العمليات العسكرية وفق المرصد أكثر من 37 ألف شخص إلى الخروج من آخر مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع ديسمبر، غالبيتهم نساء وأطفال من عائلات المتطرفين، وبينهم نحو 3400 مشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، وتم توقيفهم.

في منطقة قاحلة قريبة من الباغوز، تجري قوات سوريا الديمقراطية بشكل شبه يومي عملية فرز للأشخاص الفارين من الجيب الأخير، وتعمل على التدقيق في هويات الخارجين وأخذ بصماتهم، وتنقل المشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى مراكز تحقيق خاصة. وهي تعتقل حاليا مئات من المتطرفين الأجانب.

ويشكل وجود هؤلاء معضلة للإدارة الذاتية التي تطالب بلدانهم باستعادتهم لمحاكمتهم لديها، فيما تبدي دولهم تحفظاً إزاء هذا الملف.

وشاهدت مراسلة فرانس برس الاثنين العشرات من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في منطقة استقبال الفارين الجدد، كما وقف عناصر من قوات التحالف الدولي حول أكثر من 20 رجلاً يجلسون أرضاً، ويُشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش.

وأفاد المرصد السوري أن 600 شخص وصلوا الأحد، إلى مكان سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بينهم 20 مشتبها بانتمائهم للتنظيم، وضمن هؤلاء امرأتان فرنسيتان، وسبعة أتراك، وثلاثة أوكرانيين.

وتتوقع قوات سوريا الديمقراطية أن يستمر هجومها الأخير أياما عدة، وأعلنت الأحد سيطرتها على 40 موقعاً للمتطرفين بعد اشتباك مباشر معهم بالسلاح الخفيف.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية أفادت في وقت سابق عن احتمال وجود نحو 600 متطرف، ومئات المدنيين في الكيلومترات الأخيرة.

مصير البغدادي

ولا يزال مصير قائد التنظيم أبو بكر البغدادي غير معروف حتى الآن.

وبحسب بالي، فإن البغدادي ليس موجوداً في البقعة الأخيرة للمتطرفين، ورجح عدم وجوده في سوريا.

وكان قيادي في قوات سوريا الديمقراطية تحدث سابقاً عن احتمال وجوده في البادية السورية التي لا يزال عناصر من التنظيم ينتشرون في نقاط فيها.

في 19 ديسمبر، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حلفاءه الغربيين والمقاتلين الأكراد بإعلانه أنّ الولايات المتحدة ستسحب قواتها التي تصل إلى 2000 جندي من سوريا.

إلا أن الجيش الأميركي حذر في تقرير الشهر الحالي من أن التنظيم، وفي حال عدم مواصلة الضغط عليه، قادر على الظهور مجدداً في سوريا في مدة تراوح بين ستة و12 شهراً "واستعادة السيطرة على مناطق محدودة".

وتحذر قوات سوريا الديمقراطية من الخلايا النائمة المنتشرة للتنظيم خصوصاً في ريف دير الزور، إذ لا تزال تشن هجمات تستهدف بشكل أساسي مقاتلين من تلك القوات.

في يناير، استهدف تفجير انتحاري رتلاً أميركياً في ريف الحسكة الجنوبي، وأسفر عن مقتل خمسة مقاتلين من الأكراد كانوا يرافقون الرتل.

وسبقه تفجير انتحاري آخر استهدف دورية أميركية وسط مدينة منبج (شمال) مسفراً عن مقتل أربعة أميركيين وخمسة مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية وعشرة مدنيين.

وخلال سنوات النزاع السوري، شكل المقاتلون الأكراد شريكاً فعالاً لواشنطن في قتال المتطرفين، إلا أن إعلان ترامب قراره بسحب قواته كان له وقع الصدمة عليهم.

وأبدى الأكراد خشيتهم من أن يسمح القرار الأميركي لتركيا بتنفيذ تهديداتها بشن هجوم على مواقع سيطرتهم، حيث تخشى أنقرة من أن يقيموا حكماً ذاتياً قرب حدودها.

أ ف ب