لا يكاد يمر أسبوع مؤخرا في قطاع غزة من دون إعلان إضراب شامل في مرافق وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بفعل أزمة ثقة غير مسبوقة بين إدارتها واتحاد موظفيها.

وابتداء من مطلع أكتوبر الحالي، أعلن اتحاد الموظفين في أونروا العصيان الإداري ضد إدارة الوكالة الدولية والإضراب عن العمل ليومين متتاليين، مهددا بالدخول في إضراب مفتوح من شأنه أن يحدث شللا كاملا في خدمات الوكالة لأكثر من مليون لاجئي فلسطيني في قطاع غزة.

ويقول المتحدث باسم برنامج الطوارئ في أونروا إسماعيل الطلاع لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن خطوات اتحاد الموظفين في الوكالة تحتج بشكل رئيسي على تقليص خدمات وبرامج  عدة تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين وقرارها "التعسفي" بفصل نحو ألف موظف.

ويوضح الطلاع أن اللجوء لخطوات تصعيدية من اتحاد الموظفين في أونروا ضد إدارة الوكالة جاء بعد أكثر من ستين يوما من الاعتصامات السلمية والعمل النقابي والحوار مع الإدارة بغرض التوصل لحلول وسط لكن دون جدوى.

ويتهم الطلاع إدارة أونروا بأنها "أفشلت كافة قنوات الحوار مع اتحاد الموظفين بشأن مطالبه بالتراجع عن قراراتها التعسفية خاصة فصل موظفين في برنامج الطوارئ وهو ما استدعى تصعيد الخطوات النقابية ضد قراراتها الجائرة".

ويحذر الطلاع من أن "إدارة أونروا لم تعد الشريك الحقيقي الذي يدعم القضية الفلسطينية ويشغل اللاجئين الفلسطينيين بفعل قراراتها التعسفية من تقليص خدماتها وفصل موظفين دون وجه حق".

وفي كل مرة يتم فيها اللجوء إلى الإضراب بدعوة من اتحاد الموظفين في أونروا تغلق كافة أبواب مرافق أونروا من مدارس ومراكز صحية وتموينية وسط تحذيرات من تأثيرات سلبية وخطيرة حال تصعيد الخطوات الاحتجاجية.

وتقول نائبة رئيس اتحاد الموظفين آمال البطش لـــ(د.ب.أ)، إنهم حذروا إدارة أونروا رسميا مؤخرا من اللجوء إلى خطوات تصعيدية قد تصل إلى الإضراب المفتوح حال استمرار تجاهل إدارة الوكالة لمطالب الموظفين.

وتضيف البطش أنه "يجب على إدارة أونروا العودة إلى الحوار مع اتحاد الموظفين والاستجابة لمطالب الموظفين وإلا سيكون لنا موقف غير مسبوق بما في ذلك تصعيد الخطوات النقابية بالإضراب المفتوح؛ بما يؤثر على مناحي الحياة كافة في قطاع غزة".

وتشير إلى أن اتحاد الموظفين أعلن أنه في "نزاع عمل" مع إدارة أونروا؛ مما يجعل الباب مفتوحا لمزيد من الخطوات النقابية التصعيدية حتى يتم الاستجابة لمطالب الموظفين بالتراجع عن تقليص خدمات أونروا وإعادة الموظفين المفصولين لوظائفهم.

وتشدد البطش على أن المطالب المذكورة من اتحاد الموظفين في أونروا "مطالب عادلة ومشروعة ،وتحظى بدعم فصائلي وشعبي في المجتمع الفلسطيني؛ مما يتطلب استجابة إدارة الوكالة وإلا فإنها تتحمل كافة النتائج عن التداعيات المترتبة على مواقفها".

وأعلنت أونروا قبل أسابيع عن تقليص عدد من برامجها الخاصة بالطوارئ والتوظيف المؤقت في كافة مناطق عملها الخمسة، وهي قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، بسبب ما تواجهه من عجز مالي في موازنتها.

وتضمنت قرارات أونروا فصل نحو ألف موظف في قطاع غزة (113 موظفا بشكل فوري والبقية مطلع العام المقبل) في إطار ما قالت إنه تقليصات اضطرت إليها ضمن مواجهتها أزمة العجز المالي في موازنتها.

وتقابل خطوات التصعيد الاحتجاجية من اتحاد الموظفين في أونروا بانتقادات من إدارتها.

ويقول الناطق الرسمي لوكالة الغوث الدولية سامي مشعشع لــ(د.ب.أ)، إن الخلاف مع اتحاد الموظفين في غزة حول كيفية التعامل مع زملاء لهم لن يصار لتجديد عقودهم للتراجع الحاد في تمويل الخدمات الطارئة لا يستوجب شل عمل أونروا في القطاع.

ويبرز مشعشع أن شلل عمل أونروا في غزة "يمثل عقابا لمئات آلاف اللاجئين بمن فيهم 270 ألف طالب وطالبة عبر إضرابات تغلق مدارسهم إضافة إلى إغلاق عيادات صحية تستقبل عشرات الآلاف من المراجعين يوميا ومنتفعين من خدمات الوكالة الإنسانية الأخرى".

ويؤكد أن أونروا وقفت أمام مسؤوليتها وقررت التصرف بالموارد المالية المحدودة بحصافة وحرص شديدين وقررت أن تكون أولويتها استمرار خدماتها الحيوية مهما كلف الثمن، وتغليب احتياجات مليون لاجئ فلسطيني في القطاع يعتمدون على توزيع الوكالة لهم مواد غذائية وعينية أساسية للبقاء.

ويبرز مشعشع مطالبة إدارة أونروا لاتحاد الموظفين في غزة بالرجوع إلى طاولة الحوار وتغليب مصلحة اللاجئين والبحث في أليات دعم عمل ومطالب 13 ألف موظف يعمل لدى أونروا في القطاع، مع تأكيدها عدم السماح بعرقلة عملها.

يشار إلى أن أونروا كانت تعاني من عجز مالي كاد أن يعصف بها مع بداية العام الحالي بقيمة 446 مليون دولار بعد أن حجبت الولايات المتحدة الأميركية مبلغ 300 مليون دولار من أصل 360 كانت تقدمها سنويا للوكالة كعقاب للفلسطينيين.

ولاحقا نجحت الوكالة في تقليص عجزها المالي إلى 68 مليون دولار بفضل تبرعات من دول مانحة، في وقت تبقي تواجه فيه تحديات توفير التمويل المستمر وبالمستويات المطلوبة لإدارة دفة خدمات الوكالة العادية والطارئة للعام المقبل في ظل تزايد الاحتياجات الطارئة والمنقذة لحياة للاجئين الفلسطينيين خصوصا في كل من غزة وسوريا.

وتقدم أونروا خدمات رعاية صحية وتعليمية وتموينية لأكثر من خمسة ملايين لاجئي فلسطيني منهم أكثر من مليون لاجئ في قطاع غزة الذي يعاني من أزمات معيشية حادة بفعل حصاره من إسرائيل منذ أكثر من 11 عاما.

ويؤكد مراقبون فلسطينيون أن أزمة أونروا في قطاع غزة تشكل أحد صواعق التفجير الميداني الذي تحذر منه المنظمات الدولية لكنها لا تزال تفتقد لتحرك فاعل لحل الأزمة بشكل مستدام قبل خروجها عن السيطرة.

المملكة + د ب أ