دخلت أوكرانيا الاثنين حقبة جديدة من تاريخها، لا يُعرف ما إذا كانت ستتيح انطلاقة أو ستمثّل قفزة خطيرة في المجهول، إثر فوز الممثل فولوديمير زيلينسكي بالرئاسة في بلد يعاني من فساد مستشر، ووضع اقتصادي صعب وحرب دامية.

ورغم الشكوك في قدرته على تولي الحكم والانتقادات الموجهة إليه بسبب غموض برنامجه، فاز الممثل البالغ من العمر 41 عاماً بـ 73.2% من الأصوات بحسب النتائج شبه النهائية الصادرة الاثنين، في مقابل 24.5% للرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو.

ويعتبر العديد من الناخبين في الوقت الحاضر أن الرئيس السادس والأصغر سناً لأوكرانيا المستقلة، يوفر فرصة لانطلاقة جديدة بشأن العديد من المسائل المثيرة للتوتر والاستياء، وهو يحظى بدعم ساحق، وقد تلقى التهاني من قادة العالم بأسره، بما في ذلك اتصالان هاتفيان من الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون.

لكن من دون أن يقدم برنامجاً محددا يذهب أبعد من عزمه على "كسر النظام" من غير أن يحيد عن الخط الموالي للغرب الذي اتخذته البلاد عام 2014، ومن دون غالبية نيابية، فإن المستقبل يبدو صعباً للرئيس الذي سينصب رسمياً بحلول مطلع يونيو بعدما لعب في مسلسل تلفزيوني هزلي دور أستاذ تاريخ ينتخب رئيساً، وهي شخصية تعكس صورة بساطة واستقامة صبت لمصلحة المرشح.

وفي ما بدا نهاية رمزية غير متوقعة قبل أسابيع، تجمع عدة آلاف من مناصري الرئيس المنتهية ولايته مساء الاثنين أمام مقرّه في وسط كييف حيث أقاموا تكريماً مؤثراً له، وأنشدوا النشيد الوطني الأوكراني، وهتفوا "شكراً".

وأمام الحشد حذر بوروشنكو "لن نسمح بمرور أخطاء"، ووعد بالفوز بالانتخابات التشريعية المرتقبة في 27 أكتوبر، وبالانتخابات الرئاسية المقبلة، عام 2024.

وهذا المشهد غير مسبوق في أوكرانيا، حيث كانت عمليات انتقال السلطة ديمقراطياً صعبة مع ثورتين في أقل من ثلاثة عقود من الاستقلال. وأشاد مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا باقتراع "تعددي" يحترم "الحقوق الأساسية"، ودعوا إلى انتقال سلس للسلطة.

وأشاد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر في رسالة مشتركة إلى زيلينسكي بـ "التمسك القوي بالديمقراطية ودولة القانون الذي أظهره الشعب الأوكراني خلال العملية الانتخابية".

"مبكر جداً"

وسارع الداعمون الغربيون لأوكرانيا إلى تهنئة زيلينسكي، وتطمينه لناحية دعمهم، على غرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي أملت أن تساهم هذه الانتخابات في استقرار البلاد.

وبعدما فرضت موسكو قبل ثلاثة أيام من الدورة الثانية من الانتخابات عقوبات جديدة تحظر صادرات النفط والفحم إلى أوكرانيا، رأى رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في انتخاب الرئيس الجديد "فرصة لتحسن" العلاقات الثنائية، لكنه أكد أن لا "أوهام" تساوره.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "من المبكر جداً الحديث (...) عن احتمال حدوث عمل مشترك".

وعقب قيام سلطة مؤيدة للغرب في أوكرانيا عام 2014، قامت موسكو بضم شبه جزيرة القرم، واندلعت حرب في شرق البلاد. وساهمت هذه الأزمة إسهاماً كبيراً في التوتر الشديد الحالي بين روسيا والغربيين اللذين تبادلا استصدار العقوبات.

ومساء الأحد، أكد زيلينسكي رغبته في "إعادة إطلاق" عملية السلام بمشاركة روسيا حول الحرب في شرق البلاد، مكرراً وعده بمد اليد لسكان مناطق النزاع.

وعلى الساحة الداخلية، يتحتم عليه أن يثبت قدرته على جمع فريق من حوله، واتخاذ مبادرات من دون غالبية برلمانية، وفي وقت أثار ترشحه ريبة لا بل عداء قسم كبير من الطبقة السياسية التي تعهد التصدي لها.

ولن تجري الانتخابات التشريعية قبل 27 أكتوبر، ما ينذر بمرحلة جديدة من الصراعات السياسية.

ويمثل فوز زيلينسكي الكاسح حلقة جديدة ضمن موجة العداء للنخب التي تجتاح العالم، ويعكس ريبة الأوكرانيين حيال طبقة سياسية يعتبر بوروشنكو (53 عاماً) من أبرز وجوهها.

وإذا كان الرئيس المنتهية ولايته قرب بلاده من الغرب، إلا أنه لم ينجح في تحسين مستوى المعيشة في بلد يعتبر من الأفقر في أوروبا، كما فشل في وضع حد للحرب مع الانفصاليين الموالين لروسيا التي أوقعت نحو 13 ألف قتيل خلال خمس سنوات.

ومن أبرز المآخذ عليه أنه لم يُبدِ تصميما على مكافحة الفساد المستشري.

أ ف ب