تناول المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بيير كرينبول في رسالة له الاثنين، بمناسبة بدء العام الدراسي في مدارس أونروا بالإقليم، الأسباب التي تقف خلف قراره ببدء العام الدراسي في موعده المحدد، رغم العجز المالي الحاد وغير المسبوق في تاريخ الوكالة.

وأضاف أن أونروا "بحاجة إلى 217 مليون دولار للإبقاء على المدارس مفتوحة حتى نهاية العام".

وقال كرينبول "الأبطال الحقيقيون الذين يقفون خلف قرار فتح المدارس في الموعد المحدد، هم النصف مليون طالب في مدارس الوكالة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ولبنان وسوريا والأردن، الذين لا يزال إيمانهم في أونروا، وبالمجتمع الدولي من خلفها لا يتزعزع، رغم عدم اليقين المتكرر وغياب الأفق السياسي".

وجاء في نص رسالته "التقيت في الشهر الماضي طالبة ملفتة للانتباه تدعى آية عباس. وآية طالبة في الصف التاسع من مخيم اليرموك للاجئين خارج دمشق، وكانت قد أحرزت المركز الأول على الطلبة من كافة أرجاء سوريا. وعلى الرغم من الصعوبات غير العادية التي واجهتها بوصفها طفلة لاجئة من فلسطين، بما في ذلك النزوح القسري من المخيم الذي ولدت وترعرعت فيه، إلا أنها تفوقت على أقرانها في كافة الموضوعات. إن شجاعتها وتصميمها يجسدان الالتزام الذي يتمتع به 526,000 طالب وطالبة يدرسون في 711 مدرسة تابعة لنا في سوريا والأردن ولبنان وغزة والضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)."

وقال "إن الطلبة، من أمثال آية، هم السبب وراء قراري بفتح مدارسنا في الوقت المحدد هذا الأسبوع، على الرغم من عجز يفوق مئتي مليون دولار – وهو عجز غير مسبوق في تاريخ أونروا الممتد عبر سبعين سنة. وقد أعرب العديد من الأشخاص عن رضاهم لما اعتبروه قرارا شجاعا. وعلى أي حال، فإن الأبطال الحقيقيين الذين يستحقون تضامننا هم الطلبة في مدارسنا والذين يبلغ عددهم نحو نصف مليون طالب وطالبة والذين لا يزال إيمانهم في أونروا – وبالمجتمع الدولي من ورائها – ثابتا لم يتزعزع بالرغم من عدم اليقين المتكرر وغياب الأفق السياسي. إن شجاعتهم ينبغي أن يتم الاحتفاء بها من  العالم بأسره".

وأضاف "اعترافا بإيمانهم هذا، ولتقديم الشكر كذلك للمانحين العديدين الذين قاموا إما بزيادة تبرعاتهم بشكل كبير أو بتسريع صرف تبرعاتهم لهذا العام، فإننا نقوم بفتح مدارسنا للاحتفاء بواحد من أكثر برامج التنمية البشرية نجاحا في الشرق الأوسط. ولعقود عديدة، أدرك المانحون أن أونروا تشكل قوة مضاعفة لتحقيق الاستقرار في واحدة من أشد المناطق اضطرابا في العالم. وعلاوة على ذلك، فإن احتمال عدم توجه أكثر من نصف مليون طفل إلى المدارس يسبب قلقا عميقا للبلدان المستضيفة التي استقبلت بسخاء مئات الآلاف من اللاجئين لعقود من الزمان".

وتابع "في الوقت الذي نحتفي به، وباستحقاق، بفتح مدارسنا في الموعد المحدد، فإن علينا أن لا ننسى حقيقة أننا لا نزال نواجه أزمة مالية حادة ومعيقة. لقد بدأ العام الحالي بقرار مؤسف من الإدارة الأميركية بتخفيض 300 مليون دولار من تبرعاتها السنوية المخطط لها لموازنتنا، وذلك بالإضافة إلى عجز كان موجودا في السابق قيمته 146 مليون دولار".

كما قال "ومن أجل التغلب على التهديد الوجودي الذي واجهناه نتيجة للفجوة التمويلية الحادة، قمنا بإطلاق الحملة العالمية لجمع التبرعات "الكرامة لا تقدر بثمن" في كانون الثاني بهدف فتح مسارات جديدة للتمويل وزيادة الوعي حيال محنة لاجئي فلسطين. ولحسن الحظ، قمنا بجمع حوالي 238 مليون دولار منذ بداية العام. وفي الوقت الذي استمدينا فيه التشجيع جراء التضامن القوي من المجتمع الدولي، بمن في ذلك المانحين الجدد، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى 217 مليون دولار للإبقاء على مدارسنا مفتوحة حتى نهاية العام. إن هذا يتطلب المزيد من العمل الجماعي الحاسم من المجتمع الدولي الذي نقوم وبكل إخلاص بتنفيذ مهام ولايته المعطاة لنا".

و"بعد نحو سبعين عاما من قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأسيس أونروا، لا تزال الوكالة تمثل تعبيرا دائما عن الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي. لقد قمنا وبنجاح بمساعدة أجيال من لاجئي فلسطين على تحقيق إمكاناتهم البشرية عن طريق توفير التأسيس اللازم لهم عبر التعليم. إن العديد من خريجينا يحتفى بهم بوصفهم روادا للأعمال وباحثين وقادة في مجتمعاتهم"، وفق ما ذكر نص الرسالة.

وأضاف "منذ انضمامي لـ أونروا مفوضا عاما لها في مارس 2014، فإن شيئا لم يثر إعجابي أكثر من الشغف الذي يجتاح طلبة أونروا في سعيهم لتحصيل تعليمهم. ولا يمكنني أن أتصور نفسي أقف بمواجهة نصف مليون طالب وطالبة وأهاليهم لأخبرهم بأن تعليمهم مكلف جدا بالنسبة للعالم. وبالمثل، فإننا لا نملك رفاهية أن نفتح نصف مدارسنا أو إغلاق نصف عياداتنا التي يبلغ عددها 150 عيادة تقريبا. وإنني ما زلت أؤمن بشدة بأننا مجتمعون قادرون وملزمون بحماية كرامة لاجئي فلسطين وأمنهم البشري".

وقال "إن اللاجئين مثل آية عباس لا يتم تعريفهم من خلال نزوحهم الدائم بل من خلال تصميمهم الكامل على تحقيق كامل إمكاناتهم البشرية. ومثلما أثبتت هي والعديد غيرها على مدار السنين، فإن لاجئي فلسطين يعدون أحد أكثر الشعوب اجتهادا في العالم، إذا ما تم منحهم الفرص والأدوات اللازمة. ومرة بعد أخرى، فإنهم يظهرون ارتباطهم غير العادي بالتعليم النوعي والخدمات الحيوية الأخرى التي نقدمها".

وأضاف "ينبغي علينا عدم خذلان نصف مليون طالب مثل آية، ونحن لا يمكننا أيضا أن نشطب وجودهم. لقد قيل للاجئي فلسطين بأن يؤمنوا بعملية السلام إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم. وبعد عقود، فإنهم لم يحظوا لا بعدالة ولا بحل دائم."
وختم رسالته بالقول "إن المجتمع الدولي مسؤول أخلاقيا عن إدامة الخدمات الحيوية كالتعليم والصحة للاجئي فلسطين إلى أن تتم تسوية النزاع السياسي؛ ذلك أن الكرامة لا تقدر بثمن".


بترا