يتوقع سياسيون ومسؤولون سابقون ومختصون أردنيون أن تحاول إسرائيل ممارسة ضغط على الأردن والمماطلة في تنفيذ قراره الشرعي إنهاء ملحقي أراضي الباقورة والغمر في اتفاقية معاهدة السلام بين البلدين، بالرغم من السيادة الأردنية على المنطقتين.

 

في أكتوبر 21، قرر جلالة الملك عبد الله الثاني عدم تجديد العمل بحق المنفعة لإسرائيل في أراضي الباقورة والغمر، وفق معاهدة السلام الموقعة في عام 1994، مُنهيا بذلك جدلا استمر أكثر من عقدين.

لطالما كانت الباقورة والغمر على رأس أولوياتنا وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام انطلاقاً من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيينالملك عبد الله الثاني

الحكومة قالت الأحد إنها تسلمت طلباً رسمياً من إسرائيل لإجراء مشاورات حول آلية تنفيد قرار الأردن، الذي نشر في الجريدة الرسمية في 1 نوفمبر، وسبقه مطالب شعبية ونيابية ونقابية بإنهاء الملحقين.

 

"لكم أن تتخيلوا ما قد تحاول إسرائيل أن تمارسه على الأردن من ضغوط هنا وهناك، لكن قرار جلالة الملك كان واضحاً بإنهاء العمل بالملحقين واللجوء إلى حق قانوني منصوص عليه في معاهدة السلام،" يقول وزير سابق لموقع قناة المملكة الإلكتروني.

وتنص الفقرة 6 من الملحقين 1(ب) و1(ج) في معاهدة السلام على أن يستمر الملحق في كل من منطقتي الباقورة والغمر "نافذ المفعول لمدة 25 سنة، ويجدد تلقائياً لفترات مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيته بإنهاء العمل بالملحق قبل سنة من انتهائه، وفي هذه الحالة يدخل الطرفان في مشاورات حيالها بناء على طلب منهما. االفقرة 6، الملحقين 1(ب)، 1(ج)، اتفاقية معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية.

ويرى وزير آخر، فضل أيضا عدم ذكر اسمه، أنه "في حال حاولت إسرائيل الضغط على الأردن أثناء المشاورات، قد يطلب الأردن بالمقابل من إسرائيل العمل على تحقيق انطلاقة في عملية السلام مع الفلسطينيين، والالتزام بما نصت عليه معاهدة السلام في ملف القدس، وتسهيل التجارة بين الأردن والضفة الغربية".

 

وكانت الولايات المتحدة الأميركية نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018، الأمر الذي رفضه الأردن، صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، بموجب معاهدة السلام واتفاقية وقعت في 2013 بين الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية.

 

وكالة الأنباء الأردنية (بترا) نقلت عن رئيس ملتقى الأعمال الفلسطيني-الأردني، نظمي عتمه، قوله: "العديد من المعيقات تعرقل حركة التجارة الأردنية مع فلسطين وفي مقدمتها بروتوكول باريس وعدم مراجعته منذ توقيعه عام 1994، وكلف النقل عالية لأن البضائع يتم إنزالها على المعبر و إعادة تحميلها على سيارة أخرى بدلا من أن يتم معاينة البضاعة والقيام بإجراءات الجمارك على نفس السيارة التي تكمل طريقها إلى مقصدها (...)".

 

العين زياد الحمصي رئيس غرفة صناعة عمان يتفق مع عتمه، ويدعو إلى "إعادة النظر ببروتوكول باريس، والذي يعتبر معيقا رئيسيا لزيادة الصادرات الأردنية إلى السوق الفلسطينية جراء تحديد كوتا لهذه الصادرات، لا يسمح بتجاوزها". أما رئيس الوزراء عمر الرزاز فقال "إن تحرير الاقتصاد الفلسطيني من السيطرة الإسرائيلية لا يتم إلا بتقوية الروابط بين الاقتصادين الأردني والفلسطيني وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما وصولا إلى العمق العربي"، كما نقلت بترا.

 

"ابتزاز"

القرار الأردني جاء ضمن نص اتفاق دولي لا يجوز لإسرائيل مخالفته، لكنها قد تلجأ إلى ممارسة ضغوطات وابتزاز، وقد يشمل ذلك العبث في حصة الأردن المائية أو طرح أمور مثل الوطن البديل. لكن الأردن في الوقت الراهن أقوى منه في عام 1994 سواء على الصعيد الأمني أو السياسي أو العسكريأنيس القاسم، مختص في القانون الدولي

ويتشارك الأردن وإسرائيل في مياه بحيرة طبريا ونهري اليرموك والأردن، إضافة إلى آبار جوفية. ووفقاً للملحق 2 من نص معاهدة السلام، تحصل إسرائيل على 12 مليون متر مكعّب من مياه نهر اليرموك في فترة الصيف، و13 مليون متر مكعب في فترة الشتاء، فيما يحصل الأردن على "باقي التدفق".

 

"المطالب الأردنية الرسمية والشعبية واضحة بإعادة الباقورة والغمر كاملتين دون أن يكون لإسرائيل أي مصالح فيهما ... على الأردن مراجعة انتهاكات إسرائيل التي لا تعد ولا تحصى لمعاهدة السلام"، يبين طاهر العدوان، وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الأسبق.

 

وخرقت إسرائيل معاهدة السلام عدة مرات عبر استمرار الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والسعي لمنع الأذان فيه، ومحاولة قتل القيادي الفلسطيني خالد مشعل في العاصمة عمان عام 1997، إضافة إلى قتل قاض أردني في 2014، وأردنيين اثنين عام 2016.

المشاورات التي طلبتها إسرائيل قد تطول بسبب المماطلة وأثناء ذلك سيبقى الوضع على حاله طاهر العدوان، وزير دولة أسبق لشؤون الإعلام والاتصال

 

المشاورات الأردنية-الإسرائيلية قد تكون "إدارية حول كيفية تصفية حقوق أو ممتلكات قائمة حالياً في الباقورة والغمر، مثل أنابيب مياه أو محركات ومركبات زراعية"، يرجح القاسم، مضيفا أن "الأردن قد يلجأ للتحكيم إن ماطلت إسرائيل".

 

صحيفة يديعوت احرونوت العبرية واسعة الانتشار نقلت عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمهم، اعتراضهم على زيادة إمدادات المياه للأردن بعد قرار إلغاء الملحقين.

 

"لا يوجد أي مبرر لزيادة كمية المياه المنقولة إلى الأردن في حين يعاني المزارعون الإسرائيليون ..." حسب الصحيفة، نقلا عن وزير إسرائيلي.

 

"وفقاً لمعاهدة السلام والتفاهمات اللاحقة التي تم التوصل إليها بين البلدين، قدمت إسرائيل في البداية 45 مليون متر مكعب من المياه سنويا إلى الأردن، وفي السنوات الأخيرة زادت إمدادات المياه إلى 55 مليون متر مكعب في السنة،" وفق الصحيفة.

 

"كنز" مائي ومزارع

 

المياه التي قد تهدد إسرائيل بوقف تزويدها للأردن هي مياه أردنية، بموجب اتفاقيات دولية ... لكن لن تغامر إسرائيل بعلاقاتها الاستراتيجية مع الأردن منذر حوارات، كاتب ومحلل سياسي، عضو جمعية الشؤون الدولية

"الأصل أن تبلغ حصة الأردن السنوية حوالي 75 مليون متر مكعب: 50 مليون الحصة السنوية من مياه وادي اليرموك ونهر الأردن، إضافة إلى 25 مليون من السيلان المائي في فصل الشتاء. إلا أن إسرائيل لا تمنح الأردن سوى 25 مليون،" يقول حوارات.

 

"ستلجأ إسرائيل لإرضاء المستوطنين في الباقورة والغمر وقد يكون ذلك عبر تعويضهم بأراض أخرى بعيداً عن الأردن"، يضيف الحوارات.

 

أحد الوزراء السابقين يرى أن الأردن قد يستفيد من الأراضي الزراعية الموجودة حاليا في الباقورة والغمر.

"هناك فوائد مرتبطة بالعمل الزراعي والتشغيل سيجنيها الأردن ... هناك مزارع نموذجية خاصة في منطقة الغمر، وبالمحصلة النهائية في حال انتقلت هذه المزارع للأردن ستعود عليه بدخل لا بأس به"، يقول المسؤول السابق.

 

المزارع في الباقورة والغمر تشمل "حدائق زهور وفواكه وخضراوات" إضافة لاستفادة الإسرائيليين من آبار مياه جوفية وينابيع، وفق الحوارات.

 

يديعوت احرونوت نقلت عن رئيس مجلس إقليمي في إحدى المناطق المحتلة قوله: "الأراضي الزراعية في تسوفار (الغمر) مهمة لأمن المنطقة وإسرائيل ومعيشة السكان والزراعة في المنطقة الوسطى، القرار (إنهاء ملحقي الباقورة والغمر) يعني انهيار 30 مزرعة في مساحة حوالي 1400 دونم (346 دونما)".

آبار الغمر توفر 10 ملايين متر مكعب وتعد كنزا مائيا. قامت إسرائيل بوضع مضخات ضخمة في منطقة الباقورة لسحب المياه الفائضة من نهر اليرموك، وهي بالأصل من حق الأردن محمد بني هاني، أمين عام أسبق لوزارة المياه والري

العدوان يقول إن "في رفض إسرائيل قضية اللاجئين وسعيها لوقف المساعدات عن وكالة غوث اللاجئين أونروا، واعتدائها على المسجد الأقصى وبنائها مستوطنات في الضفة الغربية تهديدا للأردن وتمزيقا لمعاهدة السلام".

 

ويدعو الأردن إلى حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، في حين تستمر إسرائيل ببناء مستوطنات داخل هذه الحدود.

 

السيادة الأردنية

 

رئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي، الذي وقع على معاهدة السلام من الجانب الأردني قال لموقع قناة المملكة الإلكتروني: "منطقة الغمر ستعود للأردن (أوتوماتيكيا) لأنها ملك للأردن وتحت السيادة الأردنية، لكن رغم أن الباقورة تحت السيادة الأردنية إلا أن هناك قطع أرض بملكية يهودية وبالتالي قد يتم التفاوض من أجل شرائها أو تعويضهم عنها وفقا لما ستنتج عنه التفاهمات بين الطرفين".

 

وزير سابق يتفق مع الحوارات أن الأردن "لم يقم ببيع أراض ليهود في الباقورة إنما منح حق الامتياز لشركة كهرباء فلسطين (مشروع روتبنبرغ) حين كان الانتداب البريطاني قائماً عام 1926".

 

ويوضح الحوارات: "الباقورة كان فيها محطة روتنبرغ ومُنح الامتياز لصاحبها بإنشاء محطة كهربائية في عام 1926 وتمت الموافقة عليها في 1928 بشرط أن يستخدم فقط الجزء المخصص للمشروع من هذه الأرض، إلا أن ما حصل هو تصرف صاحب المشروع بالأرض وبيعها لإسرائيل".

لا يجوز أن تبقى أراض أردنية رهن استعمال الإسرائيليين. وإذا كانت الظروف في 1994 حتمت هذا الأمر لتسهيل عقد المعاهدة، فالظروف الآن تغيرت 100% وأعطينا وقتاً كافياً (25 سنة)، وحق الأردن حق مشروع في القانون الدولي حسب نص المعاهدةكامل أبو جابر، وزير خارجية أسبق ترأس الوفد الأردني في مؤتمر مدريد للسلام، 1991

 

ومشروع "روتنبرغ" أو شركة كهرباء فلسطين هدف لإقامة محطات توليد كهرباء في منطقة الباقورة لإنارة المدن الفلسطينية والأردنية خلال فترة حكم الانتداب البريطاني، الذي منح صاحب المشروع، الروسي بنحاس روتنبرغ، حق امتياز استخدام مياه نهري الأردن واليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية.

 

"حكومة الانتداب قررت ذلك، وليس لحكومات الانتداب الحق في التصرف في المال العام أو بيعه"، يؤكد الحوارات.

 

تساؤلات

 

وبموجب معاهدة السلام فإن منطقتي الباقورة والغمر تقعان "تحت السيادة الأردنية"، لكن "يتعهد الأردن بأن يمنح دون استيفاء رسوم، حرية غير مقيدة للمتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذي يعبرون من إسرائيل (...)، كما لا يطبق الأردن تشريعاته الجمركية أو المتعلقة بالهجرة على المتصرفين بالأرض (...) ولا يفرض ضرائب تمييزية على الأرض أو الأنشطة ضمنها".

 

كما تنص الشروط في الملحقين أن يسمح الأردن "بدخول رجال الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي بالحد الأدنى من الشكليات إلى المنطقة بغرض التحقيق في الجرائم أو معالجة الحوادث الأخرى المتعلقة حصراً بالمتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم".

من الناحية النظرية البحتة، في حال تم منح الامتياز لشركة فلا يمكنها أن تبيع أو تُملك للغير أي جزء منها لأن الملكية تعود للدولة، وبالتالي فإن البيع باطل ويتناقض مع القانون الأردني أنيس القاسم، مختص في القانون الدولي

المجالي يقول إن من باع أراضٍ "هم أردنيون حين كان هناك مندوب سام سنة 1926 والذي يعتبر شبه الحاكم، إلا أن البيع كان عادياً إذ لم يكن حينها ما يسمى بإسرائيل ولم تكن هناك خلافات قائمة مع اليهود".

 

إلا أن العدوان يرى أن هناك "خطأ من المفاوض الأردني حين قبل بمبدأ أن هذه الأرض مشتراة من قبل مزارعين يهود، لأن بيع الأرض تم قبل أن يكون هناك إسرائيل".

 

لكن، حسب القاسم، "لا يوجد رواية رسمية أردنية حول ما حدث في الباقورة فأحيانا يقال إنه تم منح الامتياز وأحيانا البيع، وفي أحيان أخرى يقال إنه امتياز بصيغة البيع".

 

"إذا باعت الحكومة الأردنية حين ذاك باعت لمن؟ لروتبنبرغ؟ وإذا باعت لروتنبرغ، هل كان هذا يملك الحق بأن يبيع للغير؟ وإذا كان له الحق بأن يبيع للغير فهل باع وفقا للقوانين الأردنية النافذة المفعول آنذاك؟" يتساءل القاسم.


المملكة