بينما يحتفل العالم الجمعة بيوم المرأة، مؤكدا على ضرورة تمكينها الاقتصادي، لا تتجاوز مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل 14%، وفق إحصائيات دولية؛ مما يجعلها من أقل النسب في العالم.

ويلقي مختصون اللوم في ذلك على بيئة عمل لا تجذب المرأة، أو على اعتبارات مجتمعية قد تفرض على النساء الانضمام إلى قطاعات محددة، مثل الصحة والتعليم.

وبالرغم من إقرار نظام عمل مرن في 2017 يتيح تخفيض عدد ساعات العمل أو توزيعها، أو العمل عن بعد، إلا أن ذلك لا يكفي، كما تقول الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة، سلمى النمس.

"نظام العمل المرن لا يطبق إلا في حال موافقة صاحب العمل؛ مما يجعل استفادة المرأة منه محدودة"، تضيف النمس لـ "المملكة".

تقول ولاء (27 عاماً) التي تسكن في إحدى مناطق عمّان، وتحمل شهادة البكالوريوس في تخصص الهندسة المدنية، إنها "ترغب بالعمل، لكنها لا تجد فرصة مناسبة بعد أن تزوجت وأنجبت طفلة"، كما تفيد.

وأضافت "ابنتي تبلغ من العمر 3 سنوات، وساعات العمل طويلة تمتد حتى الساعة الخامسة مساء ...، وتوفير حضانة مناسبة لطفلتي مكلف مقابل راتب شهري لا يصل إلى 400 دينار في العديد من الشركات، إضافة إلى أجور التنقل المرتفعة".

وبحسب تقرير للبنك الدولي صدر في فبراير 2019، تبلغ قدرة المرأة على تحصيل حقوق لها بما فيها العمل دون تمييز 35%.

الأردن أعلن الشهر الماضي خطة لرفع نسبة مساهمة المرأة اقتصادياً إلى 24% بحلول عام 2025، يوضح الناطق باسم وزارة العمل، محمد الخطيب لـ "المملكة".

بيئة العمل

تساهم عدة عوامل في انخفاض مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل، وتجعله غير جاذب لها.

"من تلك الأسباب، انخفاض أجور العمل، وصعوبة المواصلات، وعدم تساوي فرص العمل"، تبين النمس.

رزان (40 عاماً) لديها ابنة عمرها 10 سنوات وابن بعمر 6 سنوات، قالت إنه "لا يمكنني العمل في وظيفة ثابتة بسبب مسؤولياتي تجاه طفلي وطول ساعات العمل الثابت، رغم أني حاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية والماجستير في الإعلام".

تنظر رزان لعمل المرأة على أنه أولوية في حال "لم يتعارض مع مسؤولياتها تجاه أسرتها".

ويقول رئيس المرصد العمالي، أحمد عوض، إن أجور النساء العاملات لا تتجاوز 250 دينارا شهريا، في كثير من الأحيان.

ويشرح عوض أن ضعف مستوى أجور المرأة لا يشجعها ولا يجذبها لسوق العمل.

في الوقت نفسه، "تختار المرأة في دراستها الجامعية تخصصات لا تجد رواجا في سوق العمل المحلي مثل العلوم الإنسانية؛ مما يسهم في توليد فرص عمل في القطاع المهني للرجل خاصة أن أصحاب العمل يفضلون ذلك لحاجتهم لقوة الرجل البدنية"، وفق عوض.

"عدم توفر فرص عمل ذات جدوى يعزز ثقافة شبه سائدة بأن عمل المرأة غير ضروري، خاصة أن توفرَ معيل، سواء والدها، زوجها أو أشقاؤها"، يضيف عوض.

بلغت مشاركة المرأة الاقتصادية في الأردن 15.2% في الربع الرابع من عام 2018، بحسب دائرة الإحصاءات العامة، التي عزت السبب الرئيسي في هذا الانخفاض إلى فجوة الأجور، التي تجعل راتب الرجل أكثر من راتب المرأة بنحو 50 دينارا في القطاعين العام والخاص.

وبلغ معدل البطالة للإناث في الربع الرابع من عام 2018، بحسب الدائرة، 25.7%، في حين بلغت للذكور، 16.9%.

"أعلن الأردن التزامه في مؤتمر التمكين الاقتصادي (المشرق)، الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت الشهر الماضي بتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، عبر خطة عمل قابلة للتنفيذ ومعالجة اختلالات تحد من زيادة مشاركتها،" يقول الخطيب.

تهدف الخطة بشكل أساسي إلى "زيادة عدد النساء الناشطات في سوق العمل وضمان بقائهن في بيئة صديقة للأسرة وخالية من التمييز"، يبين الخطيب أن " وزارة العمل تسعى إلى تحسين بيئة العمل عبر الحث على توفير حضانات لأطفال النساء العاملات ...".

وتفيد دراسة أطلقتها مؤسسة صداقة ومؤسسة فريدريش إيبرت بأن 47% من نساء الأردن يعزفن عن دخول سوق العمل؛ بسبب عدم توفر مواصلات عامة فاعلة.

مريم (31 عاماً) متزوجة ولديها طفلان، وتسكن في إحدى مناطق عمّان الشرقية، لم تجد بعد فرصة عمل مناسبة رغم حصولها على شهادة الماجستير وخبراتها العملية السابقة في مجال التأهيل النفسي.

تقول مريم، إن "ساعات العمل التي تتاح لي طويلة، وبراتب شهري لا يكفي لأكثر من أجرة النقل لمكان العمل وبعض الحاجات الأساسية، إضافة إلى مسؤولياتي في المنزل، خاصة وأن عمر طفلي الأكبر لا يتجاوز 6 سنوات، بينما يبلغ عمر ابنتي 3 سنوات، وزوجي يعمل خارج الأردن".

وقال تقرير صدر في مارس 2019 عن منظمة العمل الدولية إن 38% من النساء الأردنيات اللواتي يشغلن مناصب قيادية في العمل لديهن أطفال تقل أعمارهم عن 6 سنوات، مقابل 49% من الرجال الذين يشغلون المناصب ذاتها، ولديهم أطفال بهذه الأعمار.

تباطؤ في النمو الاقتصادي

ويرى عوض أن "حالة التباطؤ الاقتصادي الأردني تعني بالضرورة عدم توفر فرص كافية لعمل المرأة".

ويتفق معه حسام عايش، وهو مختص في الشأن الاقتصادي.

"عمل المرأة يؤثر على الجوانب الاقتصادية المرغوبة في المجتمع، ويساعد على النمو الاقتصادي، لكن تعطل المرأة عن العمل يسهم في تواضع الأداء الاقتصادي في الأردن"، يقول عايش.

"عمل المرأة يحولها من عنصر مستهلك إلى عنصر منتج، ويحسن مستوى المعيشة لأسرتها، ويخرج المجتمع من تنميط أدوار مواطنيه، وبالتالي يحسن الاقتصاد"، يشرح عايش.

يرتبط عمل المرأة في مهن، مثل التعليم والصحة، "وهي من أكثر مجالات عمل المرأة، لكن اندماجها في سوق العمل يعني تنوع المهن التي تستوعب عمل المرأة"، يشير عايش.

بالنسبة للنمس، الوظائف المفتوحة أمام المرأة في التعليم والصحة أكثر من تلك المتوفرة في الهندسة والمحاماة، وأحيانا في قطاع الاتصالات.

وخصصت الحكومة في برنامج خدمة وطن 500 فرصة عمل لشابات أردنيات في كل دورة من دوراته السبع، وقدم البنك الدولي وصندوق البيئة العالمية 3.3 ملايين دولار لصندوق البادية الذي ساند 3500 شخص عبر أنشطة التدريب والتمويل من بينهن نساء في منطقة البادية الصحراوية، وفق تقرير صدر عن البنك الدولي الخميس.

"تغيير ثقافة المجتمع عبر بناء جيل ينظر إلى أن دور المرأة أساسي في سوق العمل يشكل حافزا أمام مشاركتها الاقتصادية، خاصة وأن مساهمتها المالية في كثير من الأحيان لا تحسب لها من قبل أسرتها، مقابل مسؤولياتها داخل المنزل"، تقول النمس.

المملكة